ندوة محمود درويش

Soirée poétique du Darwich

كنا نعتقد أننا وصلنا مبكرين إلى القاعة فأمسية محمود درويش الشعرية تبدأ في السادسة والنصف. وجدنا الناس مزدحمين خارج القاعة حتى كادوا أن يغلقوا الشارع. وقفنا بجانب فندق "أليتي"، وانتظرنا أن يفتح الباب ليدخل الناس،  لكن الباب لم يفتح. ما زال الناس يتوافدون من كل مكان، راجلين وبالسيارات والحافلات، رجالا ونساء وشيوخا وشبانا من كل الأعمار، ومن مختلف الشرائح. رأيت شعراء وأدباء يكتبون بالعربية وبالفرنسية، وسينمائيين ومسرحيين وجامعيين، وأطباء ومهندسين، ووزراء ومديرين، معربين و"فرانكوفون"، معممين وبالقبعات، محجبات وسافرات. ويزداد الازدحام على الرصيف المحاذي للقاعة وحتى على الرصيف المقابل.

الجزائر كلها حاضرة في ندوة درويش. والعرب حاضرون أيضا: فلسطينيون ومغاربيون ومشارقة. جمعنا الجرح الفلسطيني كما جمعنا الشعر، فنحن متعطشون لسماع شاعر حقيقي لا يعيش على القضية والشعر، بل يعيش للقضية والشعر. كان بجانبنا ثلاثة أفارقة يتحدثون بالانكليزية. حاورهم وجدي وعرف أنهم من منظمة "سوابو" . سألهم متعجبا: "هل تفهمون العربية؟". أجابه أحدهم: "لا. ولكننا حين نستمع إلى شعر درويش نحس به وإن لم نفهمه، لأن معاناته ومعاناة شعبه شبيهة بمعاناتنا من نظام جنوب إفريقيا العنصري".

عدت بخيالي إلى الماضي القريب. هذا الشارع كان فرنسيا قبل خمسة عشر عاما، أو هكذا ظن أوربيو الجزائر. هذا الشارع الآن عاد جزائريا وعربيا وإفريقيا. ولا شك أن شوارع القدس ستعود فلسطينية لسكانها الحقيقيين من مسلمين ومسيحيين ويهود، وتعود عربية آسيوية. كما ستعود شوارع جوهانسبورغ لأهلها الحقيقيين. سيتوج كفاح الشعوب بالنصر فالقوة لا تغلب الحق إلا إذا تخلى أهله عنه.

صدح صوت الشاعر فعمّ السكون الشارع لحظة، ولكنه شارع رئيسي من الصعب توقف حركة المرور فيه. لم نستطع أن نفهم شيئا بسبب ضجيج السيارات، إلا أننا أحسسنا من نبرات الصوت كما أحس مناضلو "سوابو" أن كلماته تقطر دما وتتوجع ألما ثم تصبح سياطا تجلد الاغتصاب والعنصرية، وجلمودا صامدا لا يلين أمام القوة الظالمة، ثم تزهر مواسم واعدة بالأمل والحب والتسامح. حلقنا فوق أجنحة الشعر مع الإيقاع الذي يصلنا من مكبر الصوت، وخيل لي أنني أسمع أصوات شعراء الأرض المحتلة وشعراء الشتات سميح القاسم وتوفيق زياد وابراهيم طوقان وعبدالكريم الكرمي وفدوى طوقان وهارون هاشم رشيد وكمال ناصر وغيرهم تختلط بصوت محمود درويش في إيقاع واحد: إيقاع حب فلسطين والدعوة إلى الصمود والنضال من أجل تحريرها.

                                                                                                                                     عبد الله خمّار               

                                                                                                                     من رواية "جرس الدّخول إلى الحصّة"

                                                                                                      مفاجآت ليست في الحسبان 100